الحلقة العاشرة والأخيرة من مظاهرة التأثير والتأثر بين الشعر الشعبي العماني والشعر الشعبي الخليجي .
- مظاهر تأثر الشعر الشعبي العماني بالشعر الشعبي الخليجي وهي نفسها مظاهر تأثير الشعر الشعبي الخليجي
1-النزعة القبلية في موضوع القصيدة و التباهي وظهور الأنا فيها بشكل ظاهر في مسار القصائد .
إن المتتبع لمسار المدرسة العمانية يدرك أنها أبدا لم تعتمد على إظهار الأنا ولا التباهي بالحسب والنسب أو إبراز وإظهار قبيلة على أخرى إلا لأسباب وهي نادراً ما تحدث عند الشاعر العماني خاصة في الوقت المعاصر .
لكن تأثير القصيدة الخليجية وخاصة في المملكة كان إظهار الأنا واستجداء القبيلة والنزعة القبيلة واستثارتها وتفضيلها على الغير من القبائل
وقد أذكت بعض البرامج والمسابقات هذا التوجه وشجعته وستمر فيه الشعراء ,
إن هذا التوجه قد أثر على الشاعر العماني وأصبح مستوراً لهذا الفكر وقد مارس بعض الشعراء العمانيين هذا التوجه وبدأ ينتشر في أوساطهم .
2-الإلقاء في الأمسيات الشعرية .
مع بداية انتشار القنوات الفضائية المتخصصة في الشعر الشعبي الخليجي , وقبلها الأشرطة السمعية والمرائية , كذلك الهواتف النقالة . غزت أصوات الشعراء الخليجين كل هذه الأماكن وأصبحت تصل كل قريب وبعيد , كذلك لم تقتصر هذه الأصوات على الشعراء الكبار فقط بل حتى الذين لا يجيدون حتى الوزن أصبح لهم شأن عند الجمهور غير الواعي لماهية الشعر وشروط الإبداع والإمتاع فيه , ولقد تأثرت الساحة العمانية بكل هذا الزخم من الأصوات , وأصبح الشاعر العماني ممثلاً لشاعر ما من الدول المجاورة ويقلده في كل حركة وسكنه وفي حديثه وهمسه وحملة للمسباح ولكنه إن كان من الشمال أو الجنوب ويتمايل في ميلته واعتداله .
لقد أثرت هذه الأمسيات في معظم الأصوات الشعرية الناشئة وأصبح التأثير واضحاً , والتبعية للشعر والشاعر الخليجي ليس لها شروط , بل والتفاني في الولاء لهذا الشاعر أو ذاك .
تبعيه أضعف فيها الشاعر شخصيته وانسلخ من أصله وتراثه العريق وأصبح يسوق للغير ولا ينطق بلسان حال دولته بل لا تعرف له هوية إلا باللباس ولو أغمضت عينيك وتركت أذنيك تسمع , لقلت هذا فلان الشاعر الخليجي .
يا أخوتي ليس بهذا يصنع الشعراء تاريخهم المستقل ومستقبلهم الواعد ,
إذا كان الشاعر أصلا يريد التميز حتى على أقرانه الذين من دولته فكيف يرضى التبعية بهذا الشكل الصارخ؟ .
3-التأثر مع التقليد للمفردة الشعبية الخليجية .
مع ظهور القصيدة الخليجية في صحفتها ومطبوعاتها المتخصص والأمسيات والأغاني وغيرها من أساليب الانتشار كان التسويق الجيد هو من أبرز العوامل لتأثير الكلمة الشعبية الخليجية .
وقد تأثر الشعراء العمانيين بهذه الكلمات والمفردات الشعبية الخالصة لمجتمع ليس عمانياً وله خصوصيته , ولم يكتفوا بهذا فحسب بل قد بحث بعض الشعراء العمانيين عن المفردات الخاصة للمجتمع الخليجي البدوي والحضري والشمالي والجنوبي .
وقد وظفوه في قصائدهم وكأنه يتكلم عن المجتمع الشعبي العماني ولا يعلمون أنهم يسوقون لمجتمع غيرهم ويتكلمون عما ليس لهم فيه بل يصفون مجتمعا لم يعاشروه ويعيشوا فيه وكلمة أو مفردة غير مستخدمة أصلا في ثقافتهم المجتمعية لا الخاصة ولا العامة .
فقولوا لي بالله عليكم كيف للباحث في تاريخ هذا الشاعر أو ذاك أن يعرف أن هذا الشاعر عماني وأن هذه القصيدة من المجتمع الشعبي الفلاني .
4-تسميات البحور .
مع السيطرة الكتابية ووجود المساحة والمنابر المعبرة للشعر الشعبي الخليجي ظهرت تسميات البحور الشعبية مثل .. بحر العرضة و الهجيني ( القصير والطويل ) والجنوبي . والبحر اللعبوني .. والمسحوب والمنكوس وغيرها من هذه التسميات الشعبية البحتة والخاصة بمجتمع دون غيره .
تأثرت الساحة الشعبية العمانية بهذه التسميات وأصبحت تسمي أشعارها بهذه المسميات التي ليس لها وجود في تاريخ هذه الدولة .
-وفي رأيي إما أن نسميها بتسميات شعبية عمانية تحكي تاريخ ظهورها أو اسم رمز من رموز الشعر العماني يكون هو من أبعدها , كما أسموها في الدول المجاورة بفنونهم الشعبية أو بأسماء مبدعيهم , أو أننا نردها للأصل من بحور الخليل وهي في الأصل التفعيلات الخليلية لم تتغير.
وإن اختلط بحر بآخر نسميه بحر هجين بين بحرين أو ثلاثة .
حتى إذا ما جاء باحث غربي أو عربي وبحث في التراث الشعبي للشعر الخليجي عامة قال هذا البحر الفلاني يسمى عند خمس دول المسحوب ويمسى عند العمانيين البحر كذا أو أن العمانيين يردوه للأصل ويسمى عندهم البحر كذا مثلا .
أما أن نكون تبعاً لمجرد التبعية وحتى يشهد لنا بالجودة لابد أن نتبع .
- من رأيي ليس هذا من الإبداع في شيء , بل هو إجحاف في حق الساحة العمانية قديمها وحاضرها ومستقبل تاريخها الشعري .
5- استقدام البحور والقصائد التي تخص الفنون الشعبية للدول المجاورة وليس للشاعر دراية فيها ولا مجتمعه وتكون على شكل قوالب جاهزة .
يستقدم بعض الشعراء العمانيين البحور التي تخص الفنون الشعبية الخليجية ويأتي بالقصيدة ويكتب عليها , هي ليس مجاراة لأنه لا يذكر ذلك , بل إنه يقتبس من القصيدة ما يراه ويترك ما يراه .
بمعنى أوضح يأتي بالقوالب الجاهزة , ويصفها على شكل قصيدة .
والمصيبة ليس في هذا فحسب , بل إن هذا الأسلوب بدأ ينتشر انتشار كبير بين الشعراء والشاعرات في الساحة العمانية .
هذا إن دل يدل على باب من أبواب التأثير للشعر للشعبي الخليجي على الشاعر الشعبي العماني الذي بات هنا وفي هذا الجانب خاصة مقلدا لا مبدعاً .
6- لجان التحكيم والمحكمين من الدول المجاورة وأثرهم على مسار الكتابة الشعرية في الساحة العمانية .
لو تكلمنا عن لجان التحكيم في السلطنة وتوجهاتها, إن معظم من يعينوا كلجان تحكيم في المسابقات المحلية , لهم توجهات ذات طابع تأثري بالشعر الشعبي الخليجي , ولا تكون القصيدة فائزة إلا إذا كانت ذات طابع تجديدي والتجديد عند بعض هذه الأسماء هو التقليد والمحاكاة للشعر الشعبي الخليجي ومن هنا يجبر الشاعر المشارك حتى يفوز ويضمن المركز المتقدم لابد أن يرضي أعضاء لجنة التحكيم بالكتابة على نسق أو نفس الشاعر الكبير الفلاني من شعراء الشعر الشعبي الخليجي
ومن هنا جاء تغيير مسار الشاعر بسبب توجهات لجان التحكيم .
أما إذا استقدم حكام من الدول المجاورة وهذا كثير ما يحدث , مع أنه لا نرى هذا يحدث مع الدول الخليجية أن تستقدم حكام لمسابقاتها من عُمان والغريب أن هذا مشاهد وملموس لكن الأخوة المسئولين عن هذه المسابقات والمهرجانات مستمرين في استقدام المحكمين .
عموما تأثير هؤلاء الحكام يأتي من باب أن الشاعر العماني يسأل عن توجهات هذا الحكم والطريقة التي تعجبه فيكتب عليها وما هي المفردة التي يتعاطاها فيستقطب كل المحفزات لإرضاء هذا المحكم أو غيره من الدول المجاورة , من هنا جاء تغيير التوجه والمسار وخاصة إذا فازت القصائد التي تكتب بهذه الطريقة تجد الكل يتبعها لنيل الطريق للفوز الذي يُرسم على حساب الشعر الشعبي العماني وتوجهاته , لأن الشاعر ينظر للهجة الشعبية العمانية أنها ليست لغة الفوز في المسابقات وأنها ليست لغة النجاح الإعلامي والشعري فلا يهتم بها فيفقد هويته و يفقد كذالك الثقة بها .
7-الدواوين التي يتتلمذ عليها شعراء الساحة العمانية وأثرها.
مع انتشار الدواوين الشعرية للشعر الشعبي الخليجي والاهتمام الرسمي والأهلي في هذه الدول بطباعة دواوين معظم شعرائهم , والتسويق الإعلامي الباهر لها وتوزيعها في كل مكان تطوله أيدي شركات التوزيع , والإهداءات التي توزع بسخاء على أكثر المهتمين بالشعر.
المهم هو أن ينتشر هذا الأدب ويكون مؤثرا في المكان الذي يطله .
ومن ثم تأثر الأدب الشعبي العماني بهذا السيل الشعري الذي هل عليه وكذلك من خلال تأثر شعراء عمان بهذه الدواوين واقتنائها وأصبحت من مصادر ثقافتهم الشعرية إن لم تكن مع بعض الشعراء هي المصدر الوحيد لثقافته.
ولم يكتفي الشعراء في الوقت المعاصر بأن ثقافتهم هي دواوين الشعبي الخليجي بل كلما ظهر شاعر جديد ناشئ كانت النصيحة له والتوجيه من قبل من سبقه في التجربة بأن أقرأ ديوان الشاعر فلان وديوان الشاعر فلان وفلان وكلهم من شعراء الأدب الشعبي الخليجي , وكل هذا مع خلو مكتبة الشاعر العماني من دواوين الشعراء العمانيين الأفذاذ الأوائل ولا يبحث عنها الشاعر ولا ينصح بها من قبل أي مهتم بالشعر وكان الأمر أصبح حتمي وملزم للشاعر العماني أن يتتلمذ على ثقافة الغير.
وأصبحت هذه الثقافة هي السائدة بين جموع الشعراء وهي مصيبة , ومصيبتها أن ينسى الشاعر والأديب جذوره ويستند على ثقافة غيرة ويسوق لها ويجعلها من
أساسياته ومبادئه التي يعتمد عليها في تاريخه ومستقبله المنشود متناسيا تاريخ دوله وتراث أمة من ذهب ولا يسعى لاستحضاره وإبرازه للغير ويجعله عنواناً له .
هنا كان التأثر وضاحا وجليا .
8-القنوات الشعرية المتخصصة في الأدب الشعبي وأثرها في مسار القصيدة العمانية .
تأثر الشاعر العماني بما يطرح من قصائد وأطروحات شعرية وأمسيات وأصوات ناجحة يصورها الإعلام الشعبي الخليجي , وقد أفرد للشعراء الشعبيين في الخليج قنوات متخصصة تروج للشعر والشعراء والأدب الشعبي وتهتم به والشاعر فيها هو محور مادة القناة .
رأى الشاعر العماني هذا الكيان الجميل, فراق له أن يكون جزءا من هذا الكيان فأصبح يسعى أن يظهر في هذه القناة أو تلك , وليكون جزءا من هذا الكيان لابد أن يلبس نفس العباءة ويتكلم بنفس الصفة التي تبتغيها هذه القنوات فأصبح مسار بعض الشعراء العمانيين على هذا النحو, وهنا تغير أكثر ما فيه ليصبح لا يربطه بالشعر الشعبي العماني إلا الاسم وبعض الملامح التي قربت على الزوال والغروب , فتأثر وتغير وتبعه أسماء شعرية , وسوق لهذه القناة وتوجهاتها .
9-البرامج التلفزيونية ذات الجوائز والنجومية والتصويت .
الشعر العماني ذا طابع روحي والشاعر العماني يتماها مع القصيدة ويتفاعل معها وكأنها كيان يتمثل فيه ولا ينظر للجانب المادي .
لكن ما حدث من طفرة في البرامج الشعرية التلفزيونية ذات الجوائز القيمة وذات الشهرة والنجومية .
سعى الشعراء العمانيين أو بعض منهم إلى هذا الجانب وبحثوا عنه من مكان لآخر
ومن مسابقة لأخرى أظهروا فيها جمال الشعر العماني إلا أنهم وقعوا في مصيدة التأثر والإرضاء فكتبوا بأسلوبهم , ثم جاء دور التصويت وتبعاته.
إن المجتمع العماني مجتمع واع ويعرف ما هو الصوب والخطأ , فرأى أن التصويت لا يخدم إلا العصبية ولا يورث إلا التحزبات والضحك على عقول الناس ولا يخدم الشعر, أما الشعراء فقد رأوه أنه تخلي المجتمع والقبيلة والمسئولين عنهم والبعض منهم أوصلها إلى تخلي الدولة عنه, و أن غيرهم من الشعراء الخليجين تدعمهم حكومات وقبائل .
فلجأ الشعراء العمانيين إلي تغيير كتاباتهم و الاقتراب والمديح واعتماد الأسلوب الشعبي الخليجي ,وبحث عن التصويت والدعم من المجتمع الخليجي ومن هنا جاء التأثر وتغير المسار بالكامل.
10-المجلات وصفحات الأدب الشعبي الخليجي .
لقد أثرت المجلات الشعبية وصفحات الأدب الشعبي الخليجي على أغلب الشعراء العمانيين في الوقت المعاصر وقد غيرت مسارات كثير من الشعراء العمانيين في توجهاتهم وغيرت مشاربهم الأدبية والفكرية حتى .
ولأنها واكبت بداية الانطلاقة للشعر العماني المعاصر و في وقت خلت منه الساحة العمانية من المجلات الشعبية المحلية .
فكان لها الأثر الأكبر وتتلمذ عليها أكثر الشعراء وتابعوها باهتمام بالغ واقتنوها
وحثوا عليها غيرهم من الناشئة وسوقوا كل ما فيها . وتعلقوا بها وكتبوا على غرار شعرائها وجاروهم فتأثروا بهم وما يكتبون فنقلوا صورة الشعر الشعبي الخليجي إلى الساحة العمانية فتأثرت وختل ميزانها التراثي الشعبي .
11-الأعمدة التي يكتبها بعض محرري الصفحات الشعبية .
الشعراء العمانيين يفتقدون النقاد والموجهين للساحة الشعبية , وعوض عن هذا كان المحررون للصفحات الشعبية المحلية هم من يقومون بدور الموجه الناقد فما يكتبه المحرر له صدى واسع وأهمية كبرى لدى الشعراء ويتبع في أكثر الأحيان بالحرف وذالك لأسباب حتى يضمن الشاعر أن ينشر له في مكان مناسب وكذلك إرضاء للمحرر والتقرب منه .
وبما أن أهمية العمود الذي يكتبه المحرر بهذا الأثر كان بعض المحررين يكتبون ميولهم الشخصي ويدافعون عن وجهت نظرهم التي تمجد الشعر الشعبي الخليجي
وحتى قصائد بعض المحررين التي ينشرها في صفحته يكون فيها متأثراً حتى النخاع ويمتدح ما يُكْـتـب ومن يَكتب على نفس الأسلوب ومنها كَون هذا المحرر شريحة من الشعراء يكتبون على هذا الأسلوب وهو يضمن لهم النشر وسرعته والثناء عليهم في العمود المكتوب وفي الجلسات الحوارية .
-في النهاية إن بعض القناعات تقول إن كلام المحرر شهادة للشاعر أو عليه وقد يؤثر في تحركاته الشعرية وتوجهاته الفكرية وقد يغير ميوله من قناعة لأخرى.
12-تأثير الجمهور على الشاعر من حيث توجهاته .
إن الانتشار الذي حققه الأدب الشعبي الخليجي بين أوساط المجتمعات سواء أكان عن طريق الأغاني أو الأمسيات المسجلة, والقنوات الفضائية الشعبية الشعرية المتخصصة.
جعل من الشاعر الخليجي معروفا لدى الجمهور وحضوره في أذهانهم كبير ومؤثر.
ومن هنا بدأ تأثر الشاعر العماني بهذا الزخم الشعري مما جعله يطالب الشاعر العماني بأن يأتي بنفس الأسلوب ونفس النسق على غرار ما يسمعون ،
وهذا جعل كثيرا من الشعراء يرضخون لما يريده بعض الجمهور طمعاً في التصفيق والإرضاء لهذه الشريحة, ونسي الشاعر نفسه وأسلوبه ومفرداته , ثم إنه نسي أنه يسوق لغيره ويهمش نفسه فليس له وجود ولا هوية لأنه بهذا يمثل غيره, ومن ثم يرسخ عند الجمهور ثقافة المفردة الشعبية الخليجية , وأن الشاعر بهذه الاستجابة يؤصل لغيره في بلدة ويجعلها من الأمور المباحة الضرورية في أدب غني عن هذا الاستيراد وكفاءة الذاتي كبير .
ولو أنه أتبعه ما يرسمه لهم هو وأظهر ما يكتب لكن أولى أن يجد لنفسه مكان في خارطة الشعر المحلية والخليجية .
13-تأثير الجانب المادي في القصيدة الشعبية الخليجية وأثرة على الشاعر العماني .
إن الأثر المادي وتبعاته في القصيدة الشعبية الخليجية المعاصرة خاصة , بدأ منذ أمد بعيد وقد كان ظهوره بارزا في معظم المناسبات عند شعراء الخليج .بحيث يكون الاستجداء للقصيدة والمدح لفلان أو ناقة فلان أو خيل فلان أو صقر فلان , وغيرها من هذه الأغراض .
وليس القصد في المدح إعجاب الشاعر بالممدوح من هذه الأشياء بل هو ما سيأتي من عطاء مادي هو سعي الشاعر من وراء هذا المديح .
وهنا يمتهن الشاعر الشعر ولا يعتمد على روح الإبداع الشعري بل القصيدة فيها خواء , المهم ما يأتي به من مكسب .
وقد تأثر بعض الشعراء العمانيين بهذا الداء وأصبحوا يمارسونه , ويتبعون كل لغز وكل ناقة لشيخ أو ما شابه بغرض المكسب , وقد كانت تخلوا الساحة العمانية من هذا الغرض إلا ما ندر وكانت تعتمد على روح القصيدة وروح الإبداع فيها وفنيات الشعر ولا تصف تراكيب فقط , بل وإنهم إن مدحوا كانوا لا يغفلون الجوانب الفنية في القصيدة .
عموما انتشر هذا الأسلوب وتأثر به الشعراء العمانيين وأصبح بين أشعارهم .
14-قصيدة التفعيلة وظهورها المتطور .
لقد ظهرت قصيدة التفعيلة في الأدب الشعبي أول ما ظهرت في أوساط شعراء الأدب الشعبي الخليجي ولم تكن حاضرة في الأدب الشعبي العماني .
وقام بعض شعراء الخليج بتطوير هذا الأسلوب الشعري وهم في البداية تأثروا من الشعر الفصيح بلا شـك , لكن كانت الجهود كبير في تطويره ولهـم فـضل ذلك ,
وقـد انتشر شعر التفعيلة خاصة في الشعر الغـنائي , والمجلات الشعبية .
وقد تأثر به بعض الشعراء في السلطنة ونقلوه عن شعراء الخليج , لكنهم ألبسـوا أنفسهم عباءة التقليد ولم يخرجوا منها ومنهم إلى هذا اليوم , وهم شعراء كبار لم يخلعوا هـذه العـباءة, وضلت تلازمهم , وقد بلغ التأثر بهذا الأسلوب حتى أنه قلما تجد شاعر يخرج عن نسق شعراء الخليج في هذا الجانب الشعري , إلا قلة من الشعراء رسموا لأنفسهم طريق مغاير .
والحقيقة تقال أن تأثر شعراء السلطنة بالتفعيلة كان كبيرا جداً وإن أنكره الكثير لكنه واضح المعالم .
15-القصيدة النثرية والقناعات فيها .
إن ظهور القصيدة النثرية في الأدب الشعبي الخليجي كان له دواعم أنتجتها جهود بعض التجارب الشعرية الكبيرة والأسماء المؤثرة في الساحة الشعبية الخليجية
وعند ظهورها , كان الجدل فيها بين التأييد والمعارضة لها, وقد حوربت لكن من هو قائم عليها له قناعاته بها ولم يتخلى , بل استمر في النهوض بها وهي قائمة ومستمرة وأصبح لها أتباع كُثر , وقد تأثرت بعض الأسماء الشعرية في الشعر الشعبي العماني المعاصر إلا أنها قليلة ولم تعي التجربة جيدا بل ركبت الموجه , وسادت التبعية والتقليد في هذا الجانب أيضاً , ولم تضيف التجربة العمانية شيئا لأنها لم يكن لها لسان بل كان لها نقل واستيراد للقوالب جاهزة فكان التأثير ضعيفا والتأثر قويا .
16-الكتابة للغير وبيع القصائد .
شاعت هذه الظاهرة بين أوساط الشعراء في الأدب الشعبي الخليجي وقد كان لها انتشار واسع , فلان يكتب لفلان وفلان ليس بشاعر بل يكتب له, وفلان يشتري القصائد والغرض إما مادي أو مصالح شخصية وقد راج هذا السوق عندهم , ثم ألقى بظلاله على الساحة العمانية وتلقاها الشعراء العمانيين برحابة صدر فـتأثر الشعر الشعبي العماني بهذه الظاهرة , وبدأت تمارس في الوقت المعاصر بين
الشعراء .. وخاصة أن يكتب الشعراء للأسماء النسائية لأغراض شخصية أو مادية . وتظهر وتشيع أكثر في حالة المسابقات والمهرجانات والبرامج الشعرية التلفزيونية , وقد كان لها أثر واضح في كل الساحة العمانية الشعبية .
17- المنتديات الإلكترونية و المواقع الشعرية وتأثيرها .
عندما جاءت المواقع الإلكترونية كان للمنتديات التي تعنى بالشعر الشعبي الخليجي نصيب وافر ولم تحمل غرضاً شعراً فقط بل تاريخا وتمجيدا وترسيخا لأفكار بطريقة ممنهجة ومدروسة , والغريب في الأمر أن الشعراء العمانيين والقائمين على الأدب في الساحة العمانية وخاصة الشعراء وقعوا في نفس الأخطاء السابقة وهو ترك الساحة للشعر الخليجي وفتح باب التأثير على الجمهور العماني والشعراء الناشئة, دون حيراك ثقافي أو منافسة تذكر , حيث كان في السابق ترك الساحة لفواصل وليس هناك مجلة عمانية منافسة ثم القنوات الفضائية ولا من منافس .
و كان هذا التصرف نفسه في وقت انتشار المنتديات الإلكترونية ولا من منافس , بل بالعكس الشعراء العمانيين والمحسوبين على الساحة يترفعون عن المشاركة في المنتديات العمانية وهي ترحب بهم وتجلهم وتعلوا لهم المراتب من إشراف وحتفا وتغطية لأمسياتهم وجمع قصائدهم مثل منتدى السلطنة الأدبية , وهم في صد وترفع .
لكنهم يشاركون ويدعمون المنتديات الخليجية الشعبية وينتظرون الشهادة بالإحسان أو الإساءة منها , ويشاركون فيها كأعضاء في ساحة لا تعرفهم إلا في لحظة نشر قصائدهم . وهم بهذا لا يدركون أنهم يرسخون ثقافة الغير ويدعمونها , كذلك يرسخون التبعية .
- من هذا المنطلق كان تأثر الشعراء والساحة بشكل عام بالشعر الخليجي كبير ومتنامي يوم بعد يوم وهو مستمر ما لم يقف الشعراء موقف حاسم يظهرون فيها ثقافتهم وتراثهم وتاريخهم الشعري الحافل , ويحملون رسالة الشعر الشعبي العماني إلى كل مكان تصل إليه أيديهم وكلمتهم .
الخاتمة .
في الختام إن ما أذكى قوة تأثير الشعر الشعبي الخليجي على الساحة الأدبية العمانية وجمهورها هو تظافر عدة جهود كما ذكرنا من مجلات وإعلام مرئي ومسموع .
كذالك وهو المهم وهو الدعامة الرئيسة من وجهة نظري هم الشعراء العمانيين أنفسهم ومحرري صفحات الشعر الشعبي العماني هم من استوردوا ودعموا ونصحوا الشعراء والقراء باقتناء الدواوين الخليجية دون العمانية وصغروا من حجم الشعر الشعبي العمانية أمام الخليجي ورسموا له الدعايات , وأضعفوا حجم الشاعر العماني أمام جمهوره في ساحته الأدبية , وكل منهم عمل له أمسية خارج السلطنة كأنه فتح بيت المقدس مع أنها قليلة ونادرة , كذالك أن ثقة الشعراء الخليجين في الشاعر والناقد العماني ضعيفة والدليل لا تحكيم , ولا أمسيات تسجل إلا ما ندر , كذالك المسئولون عن الثقافة كان لهم دور كبير في تهميش دور الشاعر العماني من ناحية تعظيم الشاعر الخليجي في الأمسيات والتحكيم من حيث الحوافز المادية والمسكن والاستضافة فالشاعر العماني وهو في بلاده لا يأخذ نصف ما يأخذه الشاعر الضيف ., ولا يعامل الشاعر العماني عندهم هكذا , من هنا كأن الإبداع لم يخلق إلا هناك .
كذالك أن الشاعر إن لم يكن لسان حال أمته والمتكلم بقضاياها , ومعبرا بلغتها ومفرداتها عارفا بأهمية رسالته الأدبية محترما لتاريخ من سبقه , عالماً بأسس وأدب الأمة التي ينتمي إليها وتكون هي منطلقة الفكري والأدبي,حاملا لثوبه المميز عن الغير مسوقاً لأدبه وإبداعه .
إن لم يكن كذالك فقد يفقد هويته وما ينتمي ليه وليس له تطلعات مستقبلية لأنه ليس له خط سير معروف وليس له رسالة واضحه ولا ينتمي لأدب يعرف به , ولا يشرب من جذوره الأصيلة , بل كل يوم في حال وجذوره فوق السطح ليست راسخة لأنه ينتقل من أرض إلى أرض دون أن يحدث أثرا يذكر فليس له صورة معلومة ولا كيان يقصد .
لذا توجب علينا التوضيح في هذا الجانب وقد أقدمت على هذا المبحث المبسط وأملي أن يكون له دور في جانب من الإصلاح والتقويم للأدب الشعبي العماني وتوجهات الشعراء العمانيين فيه .
وبعد رحلة شاقة مع قلت المراجع وندرتها حول موضوع البحث لجدد الموضوع وندرة الباحثين في هذا الشأن فقد كان الاعتماد أكثر على الرصد والمشاهدة لكوني جزء من كيان هذا البحث .
فقد كان حديثي عن الشاعر ودورة وانتمائه لمجتمعه وتمثيله له , كذالك تحدثت عن الشعر العماني الشعبي المعاصر وتوجهاته ., ثم تاريخ بدء الشعر العماني وبداية ظهوره في الصحافة , والصحف التي كان ينشر فيها الشعر , كذالك كان حديثي حول ماهية التأثير والتأثر , الفرق بين أن نقول شعر معاصر وشعر حديث , وعرضت لمفهوم التقليد والتأثر وما أعني بهما .
.. وكان تطرقي حول موضوع التأثر وآفته .
ثم إنني قسمت في هذا المبحث .. الفترات التي مر بها الشعر الشعبي العماني المعاصر وقد قسمتها إلى ثلاثة مراحل ..وذكرت لكل مرحلة سمات تميزها عن المرحلة أو الفترة الأخرى .
ثم دخلت في باب التأثير وهو تأثير الشعر الشعبي العماني على الشعر الشعبي الخليجي , وذكرت ثمان نقاط أثر فيها الشعر الشعبي العماني على الشعر الخليجي
كذالك تعرضت لذكر تأثير الشعر الخليجي على العماني وذكرت سبعة عشر نقطة مع شرحها .
أتمنى أنني قد وفقت في عرض ما هو مهم وناجح , فإن كان التوفيق حليفي فهو من نعم الله , وإن كان الأمر قاصرا فهو ضعف ونقص في جهودي وبذلي .
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والرضا لهذا الوطن ولأهله وراعي مسيرته .
والسلام عليكم ورحمة وبركاته .
التوصيات /
1- نوصي بتكليف لجنة من الشعراء بالبحث والكتابة للمفردات والقصائد العمانية الشعبية الأصيلة ورصدها وتوثيقها لتكون مرجعا لكل شاعر وباحث .
2- نوصي بإطلاق قناة شعرية شعبية متخصصة تكون نافذة لتعريف العالم بالأدب الشعبي العماني الأصيل .
3- نوصي بإصدار مجلة متخصصة في الأدب الشعبي توثق الأدب وتسعى لنشره في الأوساط المحلية والخليجية .
4- نوصي بطباعة وتوزيع دواوين الشعراء القدماء العمانيين ليجد الشعراء الناشئة مصادره العمانية .
5- نوصي بأن يعامل الشاعر العماني في بلدة كالشاعر الخليجي في الاستضافة الحوافز المادية وغيرها .
6- نوصي بالاهتمام بالنقد وجعله من الأولويات لتغيير القاعدة الحالية .
تحياتي / صالح النورزي السنيدي